تحميل كتاب ضد الديمقراطية والمساواة – توميسلاف سونيتش

في عالم يموج بالتحولات السياسية العميقة، حيث تتسابق الدول الديمقراطية نحو تطبيق إجراءات شمولية تثير الكثير من التساؤلات، وفي ظل دعوات حماسية للمساواة المطلقة التي غالبًا ما تؤدي إلى مزيد من الانقسام المجتمعي وتأجيج الصراعات الاقتصادية، يبرز كتاب "ضد الديمقراطية والمساواة" للمفكر توميسلاف سونيتش كصوت ناقد ومغاير. هذا الكتاب، الذي تجدونه متوفرًا في مكتبة ياسمين، يقدم تحليلًا معمقًا للتحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول الأسس الفكرية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية المعاصرة والمفاهيم السائدة عن المساواة.

ينطلق توميسلاف سونيتش في كتابه من نقد جذري للديمقراطية الليبرالية كما نعرفها اليوم، مشيرًا إلى أن التحول نحو الديمقراطية الشمولية قد يؤدي إلى تقويض الحريات الفردية وإضعاف التنوع الاجتماعي. يرى سونيتش أن التركيز المفرط على المساواة قد يتحول إلى عقيدة جامدة تقضي على التمايز الطبيعي بين الأفراد والجماعات، وتعيق التقدم والازدهار. ينتقد الكتاب بشدة تلك الدعوات العقائدية التي تنادي بالمساواة المطلقة، والتي غالبًا ما تتجاهل الحقائق البيولوجية والتاريخية والثقافية التي تميز بين البشر. يوضح سونيتش أن هذه الدعوات، بدلًا من أن تحقق العدالة والانسجام، قد تؤدي إلى مزيد من انقسام المجتمع وتفاقم الصراعات.

في سياق تحليله لعيوب الديمقراطية المعاصرة، يركز سونيتش على مسألة الاقتصاد السياسي، حيث يشير إلى أن الديمقراطية، في شكلها الحالي، قد تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات والصراعات على أساس اختلاف الآراء والمعتقدات. يرى أن تدخل الدولة المتزايد في الاقتصاد، باسم المساواة والعدالة الاجتماعية، قد يؤدي إلى تدهور الكفاءة الاقتصادية وتقويض الحرية الاقتصادية للأفراد والمؤسسات. يطرح سونيتش تساؤلات مهمة حول العلاقة بين الديمقراطية والحرية، متسائلاً عما إذا كانت الديمقراطية، كما تمارس اليوم، تضمن حقًا الحريات الأساسية للأفراد، أم أنها قد تتحول إلى أداة لقمع الأقليات وفرض رؤى أيديولوجية معينة.

لا يكتفي توميسلاف سونيتش في كتابه بتقديم نقد الديمقراطية والمساواة، بل يسعى أيضًا إلى استكشاف بدائل فكرية يمكن أن تقدم حلولًا جوهرية للتحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة. يتوجه سونيتش نحو تيارات فكرية عميقة الجذور ومتجددة الأفكار، وعلى رأسها اليمين الأوروبي الجديد، الذي يمتاز بسعة الأفق والتجرد من الأصنام العقلية. يعتبر سونيتش أن هذا التيار الفكري يمثل محاولة جادة لإعادة التفكير في الأسس الفكرية للحضارة الغربية، وتقديم رؤى بديلة للتنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. يرى أن اليمين الأوروبي الجديد يقدم نقدًا عميقًا للحداثة وما بعد الحداثة، ويدعو إلى العودة إلى بعض القيم والمبادئ التقليدية التي يرى أنها ضرورية لاستعادة التوازن والاستقرار في المجتمعات المعاصرة.

من بين الأفكار الرئيسية التي يطرحها سونيتش في كتابه، التأكيد على أهمية الهوية الثقافية والقومية، وضرورة الحفاظ على التراث والتقاليد. يرى أن التجانس الثقافي والتماسك الاجتماعي يشكلان أساسًا ضروريًا للاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. ينتقد سونيتش بشدة فكرة العولمة كما تمارس اليوم، ويرى أنها قد تؤدي إلى تآكل الهويات الوطنية والثقافية، وإلى خلق مجتمع عالمي مفكك وغير متجانس. يدعو إلى استعادة السيادة الوطنية وتقرير المصير للشعوب، وإلى بناء مجتمعات قوية ومتماسكة تحافظ على هويتها وخصوصيتها.

يتناول سونيتش أيضًا في كتابه العلاقة بين الفردية والجماعية، ويقدم رؤية متوازنة تأخذ في الاعتبار حقوق الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع. يرى أن التركيز المفرط على الفردية المطلقة قد يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وإضعاف الشعور بالانتماء للمجتمع. يدعو إلى إعادة التوازن بين الفردية والجماعية، وإلى بناء مجتمعات تقوم على التعاون والتضامن والتكافل الاجتماعي. يؤكد على أهمية النظام والقانون في تنظيم الحياة الاجتماعية، ويرى أن الدولة يجب أن تلعب دورًا محدودًا في الاقتصاد والمجتمع، مع التركيز على حفظ الأمن والنظام وتوفير الخدمات الأساسية.

في الختام، يعتبر كتاب "ضد الديمقراطية والمساواة" لتوميسلاف سونيتش إضافة قيمة إلى المكتبة الفكرية العربية، ومقدمة ضرورية لفهم التيار اليميني الجديد في أوروبا. يقدم الكتاب تحليلًا نقديًا جريئًا للتحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، ويطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل الديمقراطية والمساواة. يدعو القارئ إلى إعادة النظر في المسلمات الفكرية السائدة، وإلى البحث عن حلول مبتكرة وجذرية للمشاكل التي تواجه عالمنا اليوم. هذا الكتاب القيم يمثل دعوة إلى التفكير النقدي والتساؤل المستمر، وإلى عدم الاستسلام للأفكار النمطية والقوالب الجاهزة. إنه بحق مدخل ممتاز إلى عالم الفكر السياسي المعاصر، ويستحق القراءة والتأمل.