
تحميل كتاب نكران الثقافات – هوغ لاغرانج
يقدم كتاب "نكران الثقافات" للمؤلف هوغ لاغرانج دراسة معمقة وشاملة لقضية اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية، مع تركيز خاص على الحالة الفرنسية. يعتبر هذا الكتاب مرجعًا هامًا لفهم تعقيدات الهجرة وتأثيراتها على المجتمع. يتناول لاغرانج في كتابه هذا، والصادر عن مكتبة ياسمين، موضوعًا بالغ الأهمية يتعلق بتحديات الاندماج الثقافي والاجتماعي للمهاجرين القادمين من مناطق مختلفة، خصوصًا من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، في فرنسا وبقية الدول الأوروبية.
ينطلق الكتاب من تحليل تاريخي مفصل لموجات الهجرة المتتالية إلى فرنسا، بدءًا من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي يصفها لاغرانج بـ "العقود الثلاثة المجيدة". يستعرض المؤلف كيف كانت الهجرة في تلك الفترة مدفوعة بالحاجة الاقتصادية الفرنسية إلى اليد العاملة الأجنبية، وكيف تغيرت طبيعة الهجرة مع مرور الوقت وتحول الظروف الاقتصادية والاجتماعية. يتتبع الكتاب بدقة التحولات في السياسات الرسمية الفرنسية تجاه الهجرة، مع تحليل مقارن لفترات حكم اليسار واليمين، مبرزًا نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما في التعامل مع هذه القضية المعقدة.
يولي لاغرانج اهتمامًا خاصًا للمفاهيم التي شكلت تصورات السلطات الفرنسية ووسائل الإعلام والرأي العام حول الهجرة والمهاجرين. يناقش الكتاب كيف تطورت هذه المفاهيم مع تغير موجات الهجرة، وكيف تأثرت بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. يميز المؤلف بوضوح بين هجرة "العقود الثلاثة المجيدة" التي كانت مدفوعة بالطلب على العمالة، وبين الهجرات غير الشرعية التي ازدادت بشكل ملحوظ منذ ثمانينيات القرن الماضي. يربط لاغرانج تصاعد الهجرات غير الشرعية بتفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية، وزيادة البطالة، وتفاقم الصراعات والاضطهادات في البلدان المصدرة للمهاجرين.
يتعمق الكتاب في تحليل تداعيات الموجة الثانية من الهجرة، والتي تزامنت مع انتهاء "السنوات المجيدة" في فرنسا وأوروبا. يركز لاغرانج على دراسة البنى الإثنية التي تشكلت نتيجة الهجرة، ويتناول بالتفصيل موجات الهجرة الأفريقية منذ الثمانينيات، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية المتغيرة في كل من أفريقيا وأوروبا. يشير المؤلف إلى الفجوة المتزايدة بين الدول الأفريقية والدول الأوروبية كدافع رئيسي للهجرة، سواء كانت شرعية أو غير شرعية، وإلى التفاوت الكبير في مستويات الغنى والفقر بين مجتمعات الهجرة ومجتمعات الاستقبال.
يصف لاغرانج بدقة كيف تشكلت الثقافات الفرعية في فرنسا نتيجة الهجرة، وكيف تطورت هذه الثقافات بمرور الزمن. يعتمد المؤلف على تحليل مفصل للسياسات الرسمية، والمؤسسات الاجتماعية والتربوية، والإحصاءات المتاحة، والرسوم البيانية التوضيحية. يجري لاغرانج حوارًا نقديًا مع المؤسسات، والسياسات الرسمية، وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الآخرين، ليخلص إلى رفض فكرة الدمج الاجتماعي والثقافي بالمعنى التقليدي. يؤكد المؤلف أن المجتمع الفرنسي، شأنه شأن العديد من المجتمعات الأوروبية الأخرى، قد أصبح مجتمعًا تعدديًا، وأن الاعتراف بهذه التعددية الثقافية واحترامها هو أمر ضروري وحتمي.
من خلال تحليله العميق والشامل، يقدم كتاب "نكران الثقافات" رؤية نقدية هامة لقضية الهجرة والاندماج في فرنسا وأوروبا. يعتبر الكتاب مساهمة قيمة في فهم التحديات التي تواجه المجتمعات الأوروبية في التعامل مع التنوع الثقافي والاجتماعي، ويدعو إلى إعادة التفكير في مفاهيم الاندماج والهوية في عالم معاصر يتسم بالهجرة والعولمة. يستحق هذا الكتاب أن يكون مرجعًا أساسيًا لكل من يهتم بقضايا الهجرة، الاندماج، التعددية الثقافية، والمجتمع الفرنسي المعاصر. إن قراءة هذا الكتاب ضرورية لفهم أبعاد أزمة الهوية والتكامل الاجتماعي في أوروبا، ولفهم التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الفرنسي في ظل الهجرة المستمرة وتزايد التنوع الثقافي.
يعد كتاب "نكران الثقافات" لـ هوغ لاغرانج إضافة نوعية للمكتبة العربية، وهو متوفر الآن في مكتبة ياسمين. ننصح بقراءة هذا الكتاب القيم لفهم أعمق لقضايا الهجرة والاندماج والتعددية الثقافية في المجتمعات الأوروبية.
تقييمات ومراجعات
يجب تسجيل الدخول لإضافة تقييم
تسجيل الدخوللا توجد تقييمات بعد. كن أول من يقيم هذا الكتاب!