
تحميل كتاب تسطيح العالم (أزمة الثقافة وسطوة القواعد والمعايير) – أوليفييه روا
في كتابه تسطيح العالم أزمة الثقافة وسطوة القواعد والمعايير، يقدم المفكر الفرنسي أوليفييه روا تحليلاً عميقاً ومثيراً للقلق حول التحولات التي يشهدها العالم المعاصر. يرفض روا فكرة "الحرب الثقافية" أو صراع القيم، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ليؤكد أن ما يواجه أزمة حقيقية هو مفهوم الثقافة ذاته. فالثقافة، بحسب روا، اختُزلت إلى مجرد نظام من رموز معولمة، تغزو كل مناحي حياتنا، من الجامعات إلى المطابخ، ومن معارك الهوية والأديان إلى العلاقات الحميمة. وحتى مشاعرنا لم تسلم من هذا التسطيح، حيث أصبحت مصنفة في رموز تعبيرية جاهزة وموحدة.
يشخص أوليفييه روا في كتابه حالة التجريد الثقافي العالمي، ويتفحص آلياته ونتائجه المتناقضة. ففي هذا العالم المسطح ثقافياً، يشعر كل من المهيمِنون و المهيمَن عليهم بالتهديد والمعاناة. فمن جهة، يرى البعض في هذا التسطيح تهديداً لهويتهم الثقافية الأصيلة، ومن جهة أخرى، يشعر البعض الآخر بالقمع والتهميش في ظل هيمنة القواعد والمعايير العالمية. يُقدم روا أمثلة ملموسة لتوضيح هذه الأزمة، مثل انتشار الإنكليزية العالمية المبسَّطة (Globish) و قصص المانغا المصوّرة. فبينما تبدو هذه الظواهر كأشكال جديدة من التواصل الثقافي، يرى روا أنها في الواقع مجرد محاكاة تقضي على ثراء اللغة الإنكليزية و الثقافة اليابانية الأصيلتين.
لا يقتصر تأثير تسطيح العالم على الثقافة والفنون، بل يمتد ليشمل قضايا اجتماعية وسياسية بالغة الأهمية. فالقضايا المطروحة اليوم، مثل الهويات مقابل النزعة الكونية، و الجندر مقابل الجنس، و الجمهورية مقابل الجماعوية، و العنصرية، و النسوية، و الهجرة، كلها قضايا ثقافية في جوهرها. ويوضح روا أن هذه القضايا بتداعياتها السياسية القوية، تكشف عن أزمة عميقة في فهمنا للثقافة ودورها في عالمنا المعاصر. فبدلاً من أن تكون الثقافة مصدراً للتنوع والإثراء، أصبحت أداة للتوحيد والنمطية، مما يؤدي إلى صراعات هوياتية وثقافية متزايدة.
يُحذر أوليفييه روا من أن عمليات التواصل التي نشهدها اليوم، والتي يفترض أنها تقرب بين الثقافات، تساهم في الواقع في صنع "مستقبل متوحِّد". ففي ظل سطوة القواعد والمعايير العالمية، يتم تهميش التنوع الثقافي والخصوصيات المحلية، ليحل محله نموذج ثقافي واحد، يتسم بالسطحية والتبسيط. هذا النموذج الثقافي الجديد لا يقتصر على الجوانب المادية للحياة، بل يمتد ليشمل حتى مشاعرنا وأفكارنا، التي أصبحت تخضع لمنطق المعايير و القواعد العالمية. إننا نشهد، بحسب روا، توسيع نطاق المعايير ليشمل كل جوانب حياتنا، مما يقوض حريتنا وإبداعنا وقدرتنا على التفكير النقدي.
يؤكد روا أن هذه الأزمة لا تقتصر على العالم الغربي، بل تمتد لتشمل جميع أنحاء العالم. ففي ظل العولمة، أصبحت الثقافات المحلية مهددة بالاندثار، لتحل محلها ثقافة عالمية موحدة، تتسم بالسطحية والافتقار إلى العمق. ويوضح روا أن هذه الثقافة العالمية ليست بالضرورة ثقافة غربية، بل هي ثقافة هجينة، تجمع بين عناصر مختلفة، ولكنها في النهاية تفتقر إلى الأصالة والخصوصية. إنها ثقافة تتسم بالاستهلاكية والترفيه، وتهدف إلى تلبية احتياجات السوق العالمية، بدلاً من تلبية احتياجات الإنسان الروحية والثقافية.
إن كتاب تسطيح العالم أزمة الثقافة وسطوة القواعد والمعايير لـ أوليفييه روا هو كتاب حيوي ونقدي، يثير القلق ويدعونا إلى التفكير ملياً في مستقبل الثقافة في عالمنا المعاصر. إنه كتاب يوضح لنا كيف أن تسطيح العالم ليس مجرد ظاهرة اقتصادية أو تكنولوجية، بل هو تحول ثقافي عميق، يهدد جوهر إنسانيتنا. الكتاب يدعونا إلى مقاومة هذا التسطيح، وإلى الدفاع عن التنوع الثقافي والخصوصيات المحلية، وإلى إعادة تعريف مفهوم الثقافة بما يتناسب مع تحديات العصر. تذكر أنك حملت هذا الكتاب القيّم من موقع مكتبة ياسمين، الذي يسعى دائماً لتوفير أحدث وأهم الإصدارات الفكرية لقرائه. إن قراءة هذا الكتاب ضرورية لكل من يهتم بمستقبل الثقافة و الهوية في عالمنا المتغير.
تقييمات ومراجعات
يجب تسجيل الدخول لإضافة تقييم
تسجيل الدخوللا توجد تقييمات بعد. كن أول من يقيم هذا الكتاب!