تحميل كتاب الشرعية وسلطة المتخيل – سعيد بنكراد

في كتابه "تحميل الشرعية وسلطة المتخيل"، يقدم لنا المفكر سعيد بنكراد تحليلاً عميقاً للعلاقة المعقدة بين الشرعية والمتخيل في تشكيل المجتمعات وتوجيه مساراتها. يستكشف بنكراد كيف أن المتخيل، ذلك العالم الواسع من الصور والأفكار والروايات التي نصنعها عن أنفسنا وعن العالم من حولنا، لا يقتصر دوره على كونه مجرد إضافة هامشية للواقع، بل هو قوة فاعلة ومؤثرة في بناء الشرعية وتثبيت دعائم السلطة.

ينطلق بنكراد من ملاحظة أساسية مفادها أن الإنسان كائن تواق إلى البدايات، يبحث دائماً عن الأصل والجذر، عن اللحظة التي انطلق منها كل شيء. هذا التوق إلى البدايات يدفعه إلى الاحتفاء بالتواريخ والمناسبات، وإلى استعادة الماضي وتفسيره، ليس فقط لفهم ما جرى، بل أيضاً لإضفاء معنى على الحاضر والمستقبل. في هذا السياق، يصبح السرد أداة أساسية لفهم العالم وإعادة تشكيله، فالإنسان يسعى من خلال السرد إلى رسم حدود لعالم يتحرك على هامش الزمن، عالم يتجاوز الدفق الزمني المعتاد ليلامس أصول الوجود.

لا يرى بنكراد في البحث عن البدايات في السرد التخييلي مجرد تمرين فكري أو لعباً لغوياً، بل يرى فيه انعكاساً للبحث عن البدايات الكبرى للكون. فكلاهما، البحث عن بدايات السرد والبحث عن بدايات الكون، يمثل محاولة للتحرر من الخطاطات الحياتية المسبقة، تلك التي تفرضها الثقافة واللغة والقلق الوجودي. إنه أمل في العودة إلى أصل أول، إلى نقطة نقية يتطهر فيها الإنسان ويستعيد ذاته خالية من "شوائب" التمدن والتحضر. هذه العودة إلى الأصل، أو هذا التوق إليها، هو ما يمنح المتخيل قوته وسلطته.

يؤكد بنكراد على أن الشرعية لا تُمنح أو تُكتسب فقط من خلال القوانين والمؤسسات الرسمية، بل هي أيضاً نتاج خطابات وروايات يتم تداولها في المجتمع. هذه الروايات، سواء كانت أساطير مؤسسة أو سرديات تاريخية أو حتى حكايات شعبية، تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الوعي الجمعي وتحديد ما هو مقبول ومرفوض، ما هو مشروع وغير مشروع. المتخيل هنا ليس مجرد أداة لتزيين الواقع، بل هو قوة مولدة للشرعية، فهو الذي يمنح السلطة مسوغاتها ويضفي عليها طابع القداسة أو الضرورة.

يغوص بنكراد في تحليل آليات عمل المتخيل في بناء الشرعية، مبيناً كيف أن الرموز والأساطير والخطابات المهيمنة تعمل على ترسيخ أنظمة السلطة وتبريرها. يكشف كيف أن المتخيل يمكن أن يكون أداة للقمع والتضليل، ولكنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون أيضاً أداة للتحرر والمقاومة. فالقدرة على تخيل عوالم بديلة، وعلى سرد روايات مختلفة، هي أساس كل تغيير اجتماعي وسياسي حقيقي.

لا يقتصر كتاب "تحميل الشرعية وسلطة المتخيل" على الجانب النظري فحسب، بل يقدم أيضاً تحليلات تطبيقية لعدد من الظواهر الاجتماعية والسياسية، مبيناً كيف أن المتخيل لعب دوراً حاسماً في تشكيلها وتوجيهها. يتناول بنكراد قضايا مثل الهوية والدولة والدين والعنف، مبيناً كيف أن المتخيل يتداخل مع هذه القضايا بشكل عميق ومعقد.

يعد كتاب "تحميل الشرعية وسلطة المتخيل" إضافة نوعية للفكر العربي المعاصر، فهو يقدم رؤية جديدة ومبتكرة لفهم العلاقة بين الثقافة والسلطة، بين المتخيل والواقع. يدعونا بنكراد إلى إعادة النظر في مفاهيمنا التقليدية عن الشرعية والسلطة، وإلى إدراك الدور الحاسم الذي يلعبه المتخيل في تشكيل حياتنا الفردية والاجتماعية. الكتاب يمثل مرجعاً هاماً لكل الباحثين والمهتمين بقضايا الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع السياسي، ويمكنكم الحصول على نسخة منه من مكتبة ياسمين.

في ختام هذه المقالة، نؤكد على أهمية كتاب "تحميل الشرعية وسلطة المتخيل" لسعيد بنكراد، فهو يفتح آفاقاً جديدة لفهم السلطة والشرعية من منظور المتخيل، ويقدم أدوات تحليلية قيمة لفهم الواقع الاجتماعي والسياسي المعاصر. الكتاب دعوة إلى التفكير النقدي في الخطابات والروايات التي تشكل عالمنا، وإلى إدراك قوة المتخيل في بناء المجتمع وتغييره.