تحميل كتاب صوفية الفكر الفلسفي – عائد محمد بن حرب

صدر حديثا كتاب "صوفية الفكر الفلسفي" للمفكر والباحث عائد محمد بن حرب، وهو إضافة نوعية ومهمة إلى المكتبة الفلسفية العربية. يتناول هذا الكتاب بعمق وتحليل دقيق مفاهيم ومصطلحات الفلسفة بشكل عام، مع تركيز خاص على الفلسفة الألمانية وتياراتها الفكرية. يثير عنوان الكتاب تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين الصوفية والفكر الفلسفي، وخاصة كلمة "صوفية" وما تحمله من دلالات في هذا السياق. يسعى المؤلف في هذا العمل إلى استكشاف معنى "صوفية الفكر الفلسفي" موضحا أن المقصود هو أن الفكر يعقل ذاته، أي أن الفكر يصبح موضوعا للتفكير نفسه. ويشير عائد محمد بن حرب إلى أن الفكرة الأساسية ليست في كون الفيلسوف هو من يفكر، بل إن الفكر ذاته هو الذي يعقل نفسه في عقل المفكر.

ولتبسيط هذه الفكرة المعقدة، يوضح المؤلف أن المذهب الصوفي، منذ بداياته الأولى وخاصة في الفلسفة الأفلاطونية، وحتى يومنا هذا، يسعى إلى الكشف عن ماهية الله وفهم الله جلّ جلاله على أنه "معرفة وعقل". هذا الطرح يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة العقل والمعرفة من وجهة نظر الفلسفة النظرية الخالصة. إن الإجابة على هذا السؤال المركزي تمثل جوهر البحث وغايته، حيث يرى المؤلف أن العقل لا يظهر في البداية كروح واعية بذاتها، بل يتجلى أولا كـ "وعي". ويؤكد أن حركة التطور الذاتية للوعي هي التي تقوده في نهاية المطاف ليصبح عقلاً. هذا التحول من الوعي إلى العقل هو محور أساسي في صوفية الفكر الفلسفي كما يطرحها عائد محمد بن حرب.

يستعرض الكتاب أيضا العلاقة بين الفلسفة واللاهوت، مؤكدا أن الفلسفة هي في جوهرها لاهوت عقلي، أو ديانة تقوم على مبادئ عقلية. بمعنى آخر، أن إله الفلسفة هو العقل نفسه. ويستشهد المؤلف بمقولة شيلنغ الشهيرة "أساطير عقلية" لتوضيح هذه الفكرة، مشيرا إلى أن الفلسفة تسعى إلى بناء نظام فكري متكامل يعتمد على العقل كمصدر أساسي للمعرفة والحقيقة. يطرح عائد محمد بن حرب سؤالا مهما: إذا لم تكن الفلسفة علما بالمعنى التقليدي، فما هي إذن؟ وما هي طبيعة الفلسفة التي يختص بها هذا البحث تحديدا؟ وما الذي تسعى الفلسفة إلى تحقيقه وبيانه وإنشائه؟

يجيب الكتاب على هذه التساؤلات من خلال استعراض تاريخ الفلسفة الألمانية، مبينا أنها سعت إلى إنشاء إلهها الخاص، إلها يختلف عن المفاهيم اليونانية والمسيحية التقليدية. إنه إله ألماني، إله نقي ومطلق، لا يعرف التناقض ولا الاختلاف. هذه الرؤية العامة لطبيعة الفلسفة هي التي يركز عليها هذا البحث. ويوضح عائد محمد بن حرب أن عمله هذا يمثل تجربة حياتية فكرية وسياسية عميقة، قادته في نهاية المطاف إلى التأمل في المنابع الفكرية للثقافة الغربية والكشف عن معاني المنطق الباطن لهذه الثقافة. ويضيف أنه لم يجد تفسيرا عقليا مقبولا لحقيقة هذا الفكر غير النزعة الصوفية.

يمتد تحليل عائد محمد بن حرب ليشمل الفكر الاجتماعي والسياسي، مؤكدا أنه انعكاس فكري لواقع المجتمعات. ويخلص إلى أن المجتمع الذي يسعى إلى التحرر الحقيقي يجب أن ينتج قيمه الخاصة به، وأن الدين أو القومية لن يكونا كافيين لتحقيق هذا الهدف إذا أخفق المجتمع في هذا الميدان الفكري. "صوفية الفكر الفلسفي" هو كتاب يستحق القراءة والتمعن، يقدم تحليلا عميقا وغنيا بالمعلومات حول الفلسفة والصوفية وتأثيرهما المتبادل، ويدعو القارئ إلى التفكير النقدي في المفاهيم الفلسفية الأساسية والأسس الفكرية للثقافة الغربية. يمكنكم الحصول على هذا الكتاب القيم من مكتبة ياسمين، والاستمتاع برحلة فكرية ممتعة ومثمرة في عالم الفلسفة والفكر. إن هذا الكتاب يعتبر مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بـ الفلسفة المعاصرة و الفكر العربي و الدراسات الفلسفية بشكل عام. كما يساهم في إثراء المكتبة العربية بمؤلفات جادة ورصينة تتناول موضوعات فكرية عميقة ومهمة. نتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة لكتاب "صوفية الفكر الفلسفي" لـ عائد محمد بن حرب.