
تحميل كتاب 100 عام على وعد بلفور – ميسرة صلاح الدين
يأتي كتاب "عام على وعد بلفور" للكاتب المتميز ميسرة صلاح الدين ليقدم إضافة نوعية ومهمة للمكتبة العربية، خاصة في ظل الذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم. هذا الكتاب ليس مجرد استعراض تاريخي تقليدي، بل هو غوص عميق في جذور الصراع، وتحليل دقيق للأبعاد التاريخية والدينية والسياسية التي شكلت وعد بلفور وتداعياته المستمرة حتى يومنا هذا. يتميز هذا العمل الجديد في مادته وتحليله ورؤاه، مما يجعله مرجعًا هامًا لكل باحث وقارئ مهتم بفهم القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
ينطلق ميسرة صلاح الدين في كتابه "عام على وعد بلفور" من نقطة محورية وهي العودة إلى تاريخ العبرانيين، ولكنه لا يعتمد على الروايات التاريخية الغربية فحسب، بل يعود إلى المصادر الأصلية، أي ما دونه العبرانيون أنفسهم في كتبهم الدينية وتراثهم الشعبي. هذه النقطة تحديدا هي ما يميز الكتاب، حيث يقدم للقارئ رؤية من الداخل، رؤية العبرانيين لأنفسهم وتاريخهم كما صوروه في نصوصهم المقدسة وحكاياتهم المتوارثة. هذا المنهج يسمح بفهم أعمق لكيفية تشكل الوعي والهوية لدى الحركة الصهيونية، وكيف استندت إلى هذه الرؤى التاريخية في تبرير مشروعها الاستيطاني في فلسطين.
يكشف الكتاب ببراعة كيف تمكنت هذه الرؤى التاريخية والدينية من التأثير في مسار التاريخ، وكيف تحولت من مجرد معتقدات دينية وتراث شعبي إلى قوة دافعة في السياسة الدولية. يشرح ميسرة صلاح الدين كيف التقت هذه الرؤى مع الرؤى السياسية للدول الأوروبية الكبرى، وخصوصًا إنجلترا في ذلك الوقت. كانت إنجلترا تبحث عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وكانت تخطط لـ تقسيم المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. في هذا السياق، وجدت إنجلترا في التراث الديني والأدبي والشعبي للعبرانيين معينًا لها، وسعت إلى استغلاله لتحقيق أهدافها السياسية. هذا التحليل يكشف عن البعد الاستعماري في وعد بلفور، وكيف تم استغلال الدين والتاريخ لخدمة مصالح استعمارية.
يوضح الكتاب كيف انصاعت إنجلترا لتلك الرؤى التاريخية والدينية، وحققت "آمال اليهود" التي رافقتهم عبر تاريخهم الروحي، كما يصفها الكتاب. لكن هذا التحقيق لـ "آمال اليهود" تم دون أدنى اعتبار لـ تاريخ العرب المادي أو الروحي أيضًا. هذا التجاهل لتاريخ وحقوق العرب هو جوهر المأساة التي تجسدها وعد بلفور. يكشف الكتاب عن الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني والعرب عمومًا نتيجة لهذا الوعد، وكيف تم تفضيل رواية تاريخية واحدة على حساب روايات تاريخية أخرى أكثر أصالة وحقوقًا.
يقدم كتاب "عام على وعد بلفور" للقارئ لأول مرة صورة واضحة للإرهاصات الأولى لما أصبح يعرف بـ "المؤامرة" في العصر الحديث. لكن الكتاب يوضح أن هذه "المؤامرة" لم تكن مجرد مخطط سياسي خفي، بل كانت متجذرة في نصوص دينية وفولكلورية وأدبية. هذا التحليل الدقيق يغير فهمنا لمفهوم "المؤامرة"، ويجعلنا ندرك أن الأفكار والمعتقدات يمكن أن تكون لها قوة هائلة في تشكيل الأحداث التاريخية والسياسية.
السؤال المحوري الذي يطرحه الكتاب هو: كيف كسب التاريخ الوهمي لليهود وصار واقعا، ولم يكسب التاريخ الحقيقي للعرب؟ هذا السؤال يلامس جوهر الصراع، ويدعونا إلى التفكير العميق في آليات صناعة التاريخ والروايات التاريخية، وكيف يمكن لرواية واحدة أن تهيمن وتصبح "الحقيقة" بينما يتم تهميش روايات أخرى. يقدم الكتاب إجابات مفصلة ومستندة إلى الأدلة التاريخية على هذا السؤال، مما يجعله مساهمة قيمة في فهم ديناميكيات الصراع.
يؤكد ميسرة صلاح الدين أن "مئة عام على وعد بلفور" هي قصة يجب أن نقرأها بعناية، ليس لغرض إدانة الماضي فحسب، بل لـ اكتساب العلم والفهم. يدعو الكتاب القارئ إلى فتح العقل والقلب للتساؤلات التي يطرحها، والتي قد تكون دليلًا لنا في فهم أنفسنا والعالم من حولنا، وفهم طبيعة العلاقة مع الآخر في المنطقة. الكتاب ليس مجرد دراسة تاريخية، بل هو دعوة إلى التفكير النقدي والتأمل في دروس الماضي من أجل بناء مستقبل أفضل.
في الختام، يعتبر كتاب "عام على وعد بلفور" لـ ميسرة صلاح الدين إضافة قيمة ومهمة للمكتبة العربية، وهو متوفر الآن في مكتبة ياسمين. ندعو جميع المهتمين بالتاريخ والقضية الفلسطينية إلى قراءة هذا الكتاب بعناية، للاستفادة من تحليلاته العميقة ورؤاه الجديدة، وفهم أبعاد وعد بلفور وتأثيره المستمر على منطقتنا والعالم. هذا الكتاب هو مساهمة جادة في المعرفة، ويستحق أن يقرأه كل من يسعى إلى فهم أعمق للصراع العربي الإسرائيلي وجذوره التاريخية.
تقييمات ومراجعات
يجب تسجيل الدخول لإضافة تقييم
تسجيل الدخوللا توجد تقييمات بعد. كن أول من يقيم هذا الكتاب!